الرعاية الذاتية وحسن الحال والأمن المتكامل

الرعاية الذاتية وحسن الحال والأمن المتكامل

 

تعرف الرعاية الذاتية على أنها محافظة الفرد على صحته الشخصية، فهي أي نشاط من فرد أو أسرة أو مجتمع بنية تحسين الصحة واستعادتها أو معالجة المرض أو الوقاية منه، وتشمل الرعاية الذاتية كل القرارات الصحية التي يتخذها الناس "كأفراد أو مستهلكين" لأنفسهم أو لأسرهم للحصول وللبقاء على صحة سليمة جسدياً وعقلياً.

في حين مفهوم الأمن المتكامل يتركز على فهم أساليب واستراتيجيات المخاطر والتهديدات الداخلية والخارجية التي تحيط بنا كأشخاص بهدف الاستدامة والمحافظة على بقائنا آمنين وصولاً إلى مرحلة حسن الحال وهو كل ما يمكننا من الشعور بالرضى والصحة والعافية حتى لو لم تساعدنا البيئة التي تحيط بنا على حماية أنفسنا من الإنهاك.

فالهدف من الرعاية الذاتية وحسن الحال والأمن المتكامل هو الغوص في أعماق ذواتنا، وينتقل ذلك من الاستشعار بالعقل إلى القلب (دون أن نلغي العقل طبعاً) ونكون على وعى أكثر بمشاعرنا وعواطفنا، وخلال حديثنا سنركز على الرعاية الذاتية للنساء بشكل خاص، فهناك العديد من العوامل التي تحول النساء دون إعطاء أنفسهن الوقت الكافى لمتابعة أحوالهن وأحوال الآخرين لتطوير فهمهن حول المخاطر والتهديدات التي قد يعرضهن إليها شخص ما.

أثناء ممارسة الرعاية الذاتية يتم استحضار حضورك الجسدي والذهني، وأن تكوني ثابتة قلباً وقالباً لتكوني قادرة على شرح وتحليل المكونات المختلفة لمفهوم الأمن المتكامل و استكشاف المخاطر فضلاً عن استراتيجيات التعامل معها.

نوجه رسالة لكل النساء اللواتى يعشن حياة السرعة وقلما يأخذن الوقت لأنفسهن "أن التواصل مع جسدك سيمنحك باباً للتواصل مع ذاتك، مما سيؤهلك لأن تكوني حاضرة قلباً وقالباً، وسيمكنك أن تكوني ثابتة، كونك استحضرتي نفسك للاتصال مع جسدك مما يمكنك من أن تكوني على اطلاع بكل ما يجرى حولك، وكيف يؤثر العالم الخارجي على شعورك الداخلي.

إن إدراك مفهوم الأمن للنساء بما في ذلك تعريف للمخاطر والتهديدات من شأنه أن يساهم في أن يعتبرن قضية أمنهن أولوية قصوى، بحيث يزيد من قدرتهن على تحديد طبيعة التهديدات التي قد تتعرض لها النساء ومن ثم القيام بتطبيق آليات حسن الحال والرعاية الذاتية كأحد الاستراتيجيات التي قد تمكنهن من الاستمرار بالقيام بأنشطة وفعاليات داعمة لحقوق الانسان.

إن عمل النساء وحسن حالهن لجزئان مترابطان ومكملان لبعضهما البعض، وبما أن عملهن شخصي للغاية فأمنهن تلقائياً يصبح جزء لا يتجزأ من هويتهن وطبيعة عملهن ومعتقداتهن وكذلك كافة نواحي حياتهن المختلفة.

إن أمن النساء يتغلغل ويؤثر على كافة مناحي عملهن وحياتهن الشخصية وكذلك على تقنيات الدعم وحسن حالهن الذاتي، مما يفيد بأن البيئتين الخاصة والعامة لهما تأثير ملحوظ على الأبعاد الشخصية والاجتماعية للمدافعات عن حقوق الإنسان والتي تنعكس تبعاً لذلك على مستويات التوتر والخوف لديهن.

إن التوتر شعور طبيعي وسائد على صعيد بشري وعالمي، يشعر به الجميع ولكن بدرجات متفاوتة، وقد يعتبر التوتر إيجابياً في بعض الأحيان، لكنه إن زاد عن الحد الطبيعي أو لم تتم إدارته بشكل جيد أصبح له تأثيرات سلبية، علماً أن التوتر والضعف تربطهم علاقة طردية تؤثر سلباً على الأمن بحيث أن الذين يعانون من حدة أو زيادة في نسبة التوتر في حياتهم يزداد شعورهم بالضعف، وعليه قد يشكلون خطراً على الأمن، علماً بأن علامات التوتر وطرق العلاج تتباين تبعا لخصوصية كل حالة فردية وخلفيتها الثقافية.

فإذا سادت حياة تلك المدافعات حالة من تدهور حسن حالهن وفقدانهن للسيطرة على نسبة توترهن وخوفهن لا محالة سيتأثر عملهن بشكل سلبي، مما ينعكس على قدرتهن الذهنية المتمثلة في طريقة حكمهن على بعض الأمور وعلى سلوكهن الشخصي وبالتالي ستزداد نسبة تعرضهن لتهديدات أمنية ولمشاكل صحية أخرى.

والرعاية الذاتية من شأنها أن تلعب دوراً أساسيا في السيطرة على التوتر والخوف، عندما تدرك المدافعات عن حقوق الإنسان التهديدات على حياتهن، فمن المهم التركيز على مفهوم الأمان آخذين بعين الاعتبار بأن التهديدات أمر حتمي لا يمكن التخلص منه نهائياً ولكن من الممكن أن تقلل من عرضتنا لهذه التهديدات.

ويحدث في بعض الأحيان أن المدافعات عن حقوق الإنسان يجهلن بأنهن قد بدأن بتطبيق استراتيجيات الحفاظ على السلامة، لذلك من المهم دعمهن لرفع وعيهن باستراتيجيات الأمان، التي قد بدأت فعلا بتطبيقها واستخدامها بشكل فطري للتقليل من المخاطر التي تهدد أمنهن، كما يجب إرشادهن إلى استراتيجيات ملائمة تساعدهن على البقاء سالمات، ومن المهم تقييم الشعور بالضعف، فقد لا تشعر المدافعات عن حقوق الإنسان بالضعف أو بالخطر تجاه كل التهديدات التي أدرجت، بل إن وظيفة تحليل الشعور بالضعف يساعدنا على تحديد التهديدات الأولية خاصة تلك التي تشكل خطراً حقيقياً تواجهه المدافعات عن حقوق الإنسان أو زملائهن أو أقرانهن أو حتى عائلاتهن ولتحديد طبيعة هذا الضعف من خلال الآتي:

درجة الخطر

الشعور بالضعف

الموارد

لماذا؟

من؟

فالتهديد

 

 

 

 

 

 

 

العامة

 

 

 

 

 

 

الخاصة

إن مصطلح حسن الحال يعني تمكننا من مساعدة أنفسنا على أن نشعر بالرضى والصحة والعافية حتى عندما تكون الظروف المحيطة والبيئة من حولنا غير مناسبة، وهناك خمس عناصر يجب أخذها بعين الاعتبار للرعاية الذاتية حتى يشمل موضوع الرعاية الذاتية جزءاً من كل منحنى شخصي فينا وأهمية الترابط فيما بينها جمعيا.

جسدياً/ عبر الاهتمام الكامل بجسدنا، وهنا نؤكد على حصولنا لكامل القسط الذي نحتاجه من الراحة ومن النظام الغذائي الصحيح، وكذلك القيام بالتمرينات التي تمنحنا القوة والمرونة والتوازن.
عاطفياً/ وهي القدرة على التعبير عن شعورنا مثل الشعور بالغبطة والسعادة، وفي ذات الوقت إحتواء العواطف الصعبة أو الجياشة بدون أن نفجرها ولا أن نضطر لأن نخفيها.
عقلياً/ الإدراك لأفكارنا، وتأثيرها علينا والقدرة (والنية) على أن نفكر بشكل إيجابي.
روحانياً/ أيّ شيء ممكن أن يحافظ على الشعور بالسلام الداخلي والأمل.
علاقات/ العلاقة الإيجابية مع أجسامنا والقدرة على الإتصال المنفتح مع الآخرين، والتعبير عن احتياجاتنا ورغباتنا ومسراتنا في جميع علاقاتنا.

إن الكثير من العوامل والظروف التي من شأنها أن تحسن من حسن حالنا أو تحد منه هي في الحقيقة تراكمية وذات تأثير غير مباشروغير ظاهر، لذا فإن اعتماد أساليب حسن الحال المحصورة بتناول موضوع التوتر الناجم عن عوامل فقط كالضغوطات في العمل مثلاً قد تدعم الفكرة السائدة بأن الرعاية الذاتية عبارة عن مسؤولية شخصية تقع على كاهل الشخص نفسه، ويمكن التعامل معها من خلال توظيف بعض التقنيات التي تخفف من حدة التوتر، مما يفيد بأن علينا أخذ الشمولية بعين الاعتبار بحيث تشمل مواقعنا بناءاً على شخصياتنا حتى نحافظ على ديمومة حسن الحال.

إن الاهتمام والالتزام بموضوع حسن الحال والرعاية الذاتية يشجعنا على التوقف عن محاولات تولى كل شيء بأنفسنا، ويسمح لنا بالمحافظة على الطاقة التي نحتاجها في مواجهة صراعات طويلة الأمد في البحث عن العدالة بين الجنسين، ومن الممكن اعتبار ذلك استراتيجية سياسية تفيد بأن نبقى آمنين عندما نواجه مواقف خطرة، وبأن نطور استراتيجيات بديلة للحفاظ على البقاء.

إن مفهموم الرعاية الذاتية يعتبر وبشكل كبير كجزء من المسؤولية الشخصية لكل ناشطة، للتأكد من بقائنا أصحاء وآمنين ومتوازنين، ومن المهم تطويد مفهوم جديد حول دور الجسم في حالاته المختلفة، البدنية والعاطفية والعقلية والروحية كإحدى الطرق لفهم التهديدات والمخاطرالتي تواجه أمننا وحسن حالنا، علماً بأنه كلما تعمق اتصالنا من جسدنا سنكون أكثر قدرة على استشعار اللحظة التي نعيشها، ونكون على وعى بما يدور حولنا مما سيمنحنا رؤية أفضل، وفي بعض الحالات شعور أدق بالمخاطر والتهديدات المحيطة بنا كناشطات ومدافعات عن حقوق الإنسان، فعلى سبيل المثال عندما نعيش في حالة توزان ونكون أصحاء فإننا نتمتع بالقدرة على التعامل مع أي مشكلة خارجية تواجهنا، ونستطيع أن نشعر ونفكر في آن واحد، عنئذ ترى"العقل والروح يعملان سوياً كفريق واحد"، لإصدار السلوك المناسب للتعامل مع الموقف وبالتالي عندما يحدث ما يؤلمنا ويجرحنا ويسئ إلينا، تكون لدينا القدرة على معالجة الموضوع بأفضل الطرق.